متدوسش على جرح حد..الجروح صيادة
لو روحك في السما حتجيبها الأرض
جبر الخواطر عبادة
***
خليك في الحزن حضن
وكون للفرح ركن
خليك قد التحدي
خللي الإرادة عادة
***
الورد مالوش تمن قدام قلب أعمى
وإيه تسوى المحبة ومش جواها رحمة
واوعاك تكون غبي
خللي قلبك نبي ..حتلاقي السعادة
***
الطبطة فعل قلب..والغفران مش للبشر ده طبع رب
والسماح عن اي ذنب..طبطبة...بس مين لسه باقي عنده قلب
خليك م اللي باقي
خللي سعادتك إرادة
لا يمارس الشارع المصري السينما سوى عندما تلتقطه كاميرا محمد خان، تلك الكاميرا التي اقتحمته قبل ما يقرب من ربع قرن عندما قدم فيلمه الثاني “ضربة شمس”، وهو ما ظهر واضحا في فيلمه الـ23 “فتاة المصنع” ذلك الفيلم الذي يعود فيه خان لهوايته السينمائية الأثيرة في استعراض حياة الفقراء والمهمشين، يعود فيه مرة أخرى لعالم “أحلام هند وكاميليا” و”الحريف”، حيث يتناول تفاصيل حياة حارة ضيقة لا تنجب سوى البنات بناء على أسطورة قديمة، يستعرض أبطالها الرئيسيون – نساء بحكم الأسطورة الدرامية – تفاصيل صراعهم الدائم مع الحياة بسبب الفقر والكبت والاحتياج، وما بين الفقر والبحث عن المادة والذي تعاني منه “عيدة” الأرملة التي فقدت زوجها بعد انجاب البطلة وتزوجت أخر أصغر سنا والتي لعبت دورها الفنانة سلوى خطاب، والكبت والحرمان وكذلك قهر المجتمع الذي تعاني منه “هيام” الفتاة العاملة في المصنع والتي لعبت دورها بطلة الفيلم الفنانة ياسمين رئيس، والاحتياج المادي والجنسي الذي تعاني منه خالة البطلة المطلقة التي لعبت دورها الفنانة سلوى محمد على.
ومن خلال تلك الشخصيات الدرامية الثلاث يغزل خان على السيناريو الذي كتبته وسام سليمان فيلمه الأخير فتاة المصنع، من خلال خطوط تتقاطع كثيرا بحك ضيق الحارة وتوحد المصير والمعاناة المشتركة، وهو ما نجحت كاميرا خان التي عشقها الشارع وحفظت تفاصيله في نقله من خلال التصوير في حارة حقيقية ومصنع يعمل بالفعل دون الحاجة لأي ديكورات، مما أعطى الفيلم ميزة النقل الحي والحقيقي لمحيط حياة أبطال الفيلم، لكن خان وللمرة الأولى اخراجيا يقع في خطأ الانسياق لرغبة تصوير مشهد عبقري لا يمكن وجوده واقعيا، وهو هذا المشهد الذي يدور في صندوق سيارة زوج أم البطلة، والذي تلجأ إليه البطلة وأختها الصغيرة وخالتها وينمن فيه بعد الفشل في دخول شقة الخالة للمبيت، وهو ما يستحيل فعليا في أي حارة في منطقة عشوائية حيث لا ينام الناس في تلك الأزقة، وكذلك يتعاطى شبابها جميع أنواع الكيف بحثا عن أي متعة، مما يستحيل معه نوم 3 نساء في الشارع داخل صندوق سيارة مكشوف.
وربما يكون هذا خطأ موجود في السيناريو الذي يعتبر أضعف حلقات الفيلم، والذي سقط في فخ تعليب بعض الأشخاص والتعاملات – إكليشيه – من خلال رسم نمطي للغاية لشخصيات الفيلم الفرعية، وكذلك العلاقات العرضية خلال الفيلم، إلا أنه نجح تماما في نقل أدق تفاصيل علاقة فتاة المصنع التي عشق المهندس المشرف التذي ينتمي لطبقة أعلى، من خلال الإلحاح ومحاولة الدخول في تفاصيل حياته، وكذلك التعبيرات الموحية المقصودة بغرض تضليل المشاهد لوصول إلى نتائج غير حقيقية يكشف عسكها الفيلم في النهاية.
ويبقى احتفاء خان بالرائعة سعاد حسني التي أهدى إليها فيلما ما كانت ستترك غيرها يمثله اذا كانت حية شيء مبهج للغاية، إلا أنه على الرغم من البهجة التي يشعر بها المشاهدون بسبب صوت السندريلا لم يكن موفا دراميا تماما، وبدا محشورا في بعض المشاهد – مثل مغادرة هيام للمصنع على أنغام شيكا بيكا -.
أما على مستوى التمثيل فحدث ولا حرج، وكأن خان الذي لا يتعامل سوى مع الموهوبين، قرر أن يفجر مفاجأته الخاصة في هذا الفيلم، ويعطي الفرصة الحقيقية للفنانة ياسمين رئيس كما أعطاها لصديقه الفنان أحمد زكي منذ 24 عاما في “موعد على العشاء”، لتقدم إلينا دورا لا ينسى، نجحت فيها في تقديم شخصية “هيام” الفتاة الشعبية التي تسكن العشوائيات وتعمل في مصنع ملابس وتتشوه سمعتها نتيجة علاقة حب من طرف واحد، والتي تتعرض إلى قهر مجتمعها الحاقد على قصة حبها الفاشلة، وقهر الطبقة الأعلى التي ترى حلمها محاولة مستحيلة، وبتفاصيل وصلت أحيانا إلىى طريقة الضحك، والمشي وارتداء الملابس وحركات الشفاه بدت ياسمين وكأنها ولدت وعاشت طيلة عمرها داخل ذلك الدور، في اشارة إلى ممثلة هامة تنتظرها السينما من أجل العودة للحياة.
وعلى الصعيد ذاته تبقى سلوى محمد علي نفس الممثلة الرائعة التي لا تتوقف عن ابهار المشاهدين بسهولة وسلاسة تليق بموهبتها الرائعة، داخل أطر مختلفة في كل دور وكأنها امرأة بألف وجه لأنها ممثلة حقيقية تليق بها مكانة أكبر وأهم في السينما.
أما سلوى خطاب فتبقى الألفة، وأسطى التمثيل الذي يعود رويدا رويدا إلى عالمه الحقيقي بعد سنين من الغياب.
ويبقى هاني عادل المطرب الذي يمر كثيرا أمام كاميرات السينما – ربما هو الأكثر تمثيلا خلال العام الأخير – دون أي موهبة تمثيلية حقيقة لدرجة أنه فشل في تقديم دورا يليق بجمود ملامح وجهه وعجزها عن التعبير والأداء الصوتي والحركي.
لكن يبقى فيلم “فتاة المصنع” فيلما حقيقيا، نستطيع أن نناقشه ونحلله ونتناول تفاصيله دون الحاجة إلى التشبث بنقاط محددة نتيجة عدم وجود فيلم في الأساس، ويبقى كذلك داخل الروح عقب مغادرة قاعة العرض نتيجة الألم الذي تشعر به والغضب الذي تعجز عن كبحه من كل هذا القهر الذي يعاني منه إنسان كل ذنبه في هذا المجتمع أنه ولد أنثى فقيرة لم تنل تعليما عاليا، ويبقى مشهد الرقص الذي ختم به الرائع محمد خان فيلمه ملخصا لكل أحداثه، وبيت الشعر الذي يقول: لا تحسبن رقصى بينكم طربا ..فالطير ترقص مذبوحة من الألم.
تتطور لعبة كرة القدم بشكل مستمر، عبر العديد من خطط اللعب الجديدة التي تواكب العصر، والسرعة الهائلة التي صارت اللعبة تتميز بها، وكذلك قوانين اللعب التي يحرص واضعوها دائما على أن تخدم فكرة المتعة والسرعة، إلا أن اليابان وحدها طورت كرة القدم في ساحة "المانجا" بعيدا عن ملاعب العالم وقوانين "الفيفا" وكذلك قوانين الجاذبية لنيوتن، والناموس الطبيعي.
وبعيدا عن ادعاء المصريين بأن الفراعنة هم أول من اخترع كرة القدم، واعتراف العالم بأن بريطانيا هي وطن الساحرة المستديرة، تبقى اليابان، وطن الملاعب العشبية البيضاوية، التي تشبه الحركة فيها شوارع الاسكندرية الجانبية على الكورنيش، والتي تم تصميمها من أجل مياه الأمطار، وربما عليك أن تنتظر حلقة كاملة حتى يرى اللاعب الذي يجري بالكرة مرمى الخصم عن قمة الملعب. نعم في اليابان حيث كابتن "هوشيزورا تسوباسا" - تعني أجنحة السماء الزرقاء - الشهير عربيا بكابتن ماجد، ظهرت الملاعب ذات القمة، وهؤلاء اللاعبون الذين يقفزون لما يزيد عن 9 أمتار، ويتوقفون في الهواء من أجل ذكرى ما، أو فكرة طارئة، أو حتى حوار ومناظرة مع خصم.
وبألفاظ لا تعرفها كرة القدم، وغالبا لن تعرفها، خرجت "المانجا" عام 1983 بعد سنتين من صدور أول عدد من "مجلة المانجا"، لنعرف للمرة الأولى "ضربة الصقر"، و"ضربة النمر"، و"الضربة الصاعقة"، و”النار هوك”، ونرى هؤلاء الأطفال الذين يتبارون في دوري للمدارس يحلمون بالوصول لكأس العالم والاحتراف في البرازيل، بغض النظر أنه لا أحد يحترف في البرازيل سوى في "كابتن ماجد".
وتتكون هذه السلسلة من 128 حلقة، وتدور حول طفل مغرم بكرة القدم يدعى "هوشيزورا تسوباسا" أو "ماجد كامل" في الدبلجة يصل لمدينة نيشيزاوا ("المجد" في الدبلجة) ويتعرف على رفاق جدد في لعب كرة القدم، وتنتهي بحصول اليابان (منتخب العرب في النسخة العربية) على كأس العالم للشباب دون 17 سنة.
وقد أنتجت شركة "يونج فيوتشر" النسخة عربية سنة 1990 بدبلجة أردنية حتى الحلقة 55 بأسماء عربية، ثم بدبلجة سورية من إنتاج مركز "الزهرة" تحت اسم "الجزء الثاني" غطت باقي الحلقات من 56 إلى 128 واحتفظت بنفس الأسماء المعربة.
وأخيرا في 1990 وقع إنتاج سلسلة 14 حلقة اضافية تحت اسم "كابتن تسوباسا الجديد" (Shin Captain Tsubasa) تتضمن تتمة الأحداث من "المانجا" منذ ذهاب ماجد للبرازيل حتى احترافه هناك، لكن لم تتم دبلجتها للعربية.
ومن المثير للدهشة أن لاعب الكرة الذي داعب خيال الأطفال العرب من مواليد الثمانينات والتسعينيات، قد قام بدبلجته خلال الدبلجتين الاردنية والسورية امرأتان، هما سهير فهد، وأمل حويجة، وبغض النظر عن الطبيعة الخاصة لكرة القدم داخل تلك الحلقات، بقيت عين الفيفا ساهرة تبحث عن فرصة للكشف العمري على "بسام" ذلك طفل المفترض أن لديه 9 سنوات و لكن يبدو في جسد الرجل البالغ ، كما أنه لا يسجل أي هدف إلا بعد أن يكون قد ضرب نصف الفريق الخصم و أسقطهم أرضا.
ثم انتج الجزء الثالث من هذه السلسلة سنة 1994 ودبلج للعربية أواخر التسعينات من 46 حلقة على يد مركز الزهرة في سوريا، وكان يدور حول مغامرات الشخصيات في تصفيات كأس العالم للشباب واحترافهم في الخارج.
وأخيرا في 2002 تم انتاج أحدث سلسلة مصورة من 52 حلقة تم إنتاجها من قبل شركة "شوجاكوكان" لكنها أنتجت بحيث لا تتبع القصة الأصلية، مع أنها إعادة تصور لها بشخصيات أكبر سنا بقليل، وتم دبلجتها في 2005 للعربية في سوريا من طرف مركز الزهرة بعنوان "الشبح"، واطلق عليها أيضا "الكابتن ماجد الجزء الخامس".
وكذلك تم اصدار ألعاب إلكترونية للكابتن ماجد، ورفاقه مازن حلمي خصم ماجد الأهم والمصاب بأزمة في قلبه، وحارس المرمى وليد الذي أفلت من البرازيل واحترف لفترة في المانيا، وبسام صاحب "ضربة النمر" و"مخلب النمر" - بغض النظر عن علاقة النمور بكرة القدم - والذي يعتبر أول محترف حقيقي يكسب من اللعبة، وياسين توأم ماجد الروحي، ورعد حارس مرمى فريق ماجد ولاعب الكاراتيه المعتزل وخامس أفضل حارس في العالم - والله الخامس -، وعمر اللاعب خفيف الظل، والعديد من الشخصيات الأخرى أبرزها المدرب فواز الأب الروحي لماجد، والكابتن عصمت مدرب بسام، وكارل هاينز شنايدر نجم نجوم ألمانيا الملقب بقيصر وإمبراطور الكرة الأوروبية، والوحيد الذي استطاع أن يتغلب على الكابتن ماجد، ولانا نامق، التي تحولت في الجزء الثالث إلى لانا حمدي عبدالوهاب، ثم إلى لانا محمد شيحة عبد الوهاب، والتي ستتزوج ماجد في النهاية بغض النظر عن اسم والدها.
تمزقت شباك كثيرة عبر ما يزيد عن مائتي حلقة، أضاع الكابتن ماجد نصفها معلقا في الجو باحثا عن المرمى، وقضى الأطفال ليال طويلة يتحرقون شوقا إلى حلقة الغد لمعرفة مصير تلك "الشوطة" التي أطلقها بطلهم المفضل تجاه المرمى واستمرت لحلقة كاملة، ووصل المنتخب العربي لنهائي كاس العالم، وفاز بها، وخلال ما يزيد عن 20 عاما، بقيت الكرة العربية كما هي تحمل شعارا واحد "اسدا علي وفي الحروب - الماتشات- نعامة، وظل الكابتن ماجد ابتسامة عريضة على وجه كل كبير لأنه يوما صدق أن ما يشاهده له علاقة بالكرة.
«التاريخ يؤكد أن البشرية وضيعة..حافظ على إنسانيتك قدر المستطاع»
لأفلام السير الذاتية دائما مذاق خاص، وكذلك كل الأعمال التي ناقشت التاريخ الاسود للرق، وخاصة العبودية في الولايات المتحدة منذ مسلسل "الجذور" وشخصية "كونتا كنتي" الشهيرة، تلك الأعمال تجعل المشاهد يشعر بالقشعريرة ويخجل من إنسانيته في صمت، مذهولا مما رأى.
وهذا ما يفعله فيلم 12 Years a Slave في المشاهد، وهو يدور حول عازف كمان أسود من مواليد نيويورك ولد حرا، ويتم اختطافه بعيدا عن زوجته وأطفاله بعد خدعة ما، ليعمل 12 عاما كعبد في ولاية جنوبية بعيدة، يتنقل خلالها بين سيدين من البيض، أحدهما أكثر إنسانية من الأخر، لكنهما يشتركان في ممارسة السيادة، ومن خلال أحداث هذا الفيلم التي تدور في منتصف القرن التاسع عشر، يتم كشف جرائم ضد الإنسانية ارتكبها مستعمرو أمريكا البيض ضد العبيد، وهو ما ناضل بسببه بطل الفيلم "سولومون نورثوب" الشخصية الحقيقية التي قدمها الممثل Chiwetel Ejiofor وسعى إلى كشفه بعد هروبه من العبودية، وكتب سيرته الذاتية وساند مواطنيه من العبيد وطارد خاطفيه في المحاكم حتى مات.
وهو ما نجح المخرج ستيف ماكوين في تحقيقه من خلال زوايا التصوير والالسيطرة على أداء الممثلين، وكذلك الكادرات الخاصة بمشاهد العنف والتعذيب والإغتصاب، وربما يكون أول مخرج أسود يفوز بجائزة الأوسكار المرشح لها كأفضل مخرج، لكن يعيب الفيلم فشله في إظهار مرور الوقت (باستثناء العنوان، ونهاية الفيلم حيث يظهر أولاده وقد كبروا )، وتبدو الأحداث وكأنها وقعت فقط على مدى العام، من حيث السرد و الشخصيات.
ويستعين ماكوين بممثله المفضل Michael Fassbender والذي قام ببطولة فيلميه السابقين ليؤدي دور صاحب المزرعة الأبيض القاسي، الذي يحب فتاة سوداء تعمل في مزرعته، ويكره عبيده وتدور بينه وبين زوجته البيضاء مشاكل عديدة بسبب تلك العلاقة الغامضة، وهو ما يلعبه فاسبندر بمهارة شديدة، خاصة تلك المشاهد التي بدا فيها مخمورا يبحث عن البهجة أو غاضبا، والاخرى التي كان يتحول فيا إلى عاشق سادي يحب عبدته المستسلمة لاغتصابه، وهو الدور الرائع الذي لعبته Lupita Nyong'o، وقدمت من خلاله ما تعرض له العبيد المولودين لأباء من عبيد، الذين لا يملكون حرية الحلم إلا بالموت.
أما Chiwetel Ejiofor بطل هذا الفيلم وشخصيته الرئيسية والذي لم يقدم أدورا حقيقية من قبل في السينما، فهو يعد اكتشافا للمخرج ستيف ماكوين، حيث يملك هذا الممثل طاقة كبيرة وموهبة متميزة وقدرة غير عادية على التمثيل بملامح وجهه، وكذلك عينان مختلفتان، تجبر المشاهد على متابعتهما طول الوقت، مع أداء رقيق ورائع للغاية، وقدرة غير عادية على التمثيل صامتا، بعدما أجبرته ظروف العبودية على إنكار معرفته بالقراءة ولاكتابة، وانكار كل مواهبه عدا العزف على الكمان، ومتابعة ما يحدث دون إمكانية المشاركة فيه، في الحقيقة هوليوود تتستقبل مورجان فريمان جديد.
ولأن مجرد وجوده في أي فيلم لا يمكن إغفاله، يواصل هانز زيمر صناعة موسيقاه التصويرة المدهشة، تلك الموسيقى التي تستطيع إذا أغمضت عينيك على أن ترى الأحداث في مخيلتك، وكأنه يكتب سيناريو لا نوتة موسيقية.
فيلم 12 Years a Slave أحد تلك الأفلام المهمة، التي قد تفوز بجوائز عديدة في الأوسكار، أو لا تفوز، لكنها ستبقى لأنها تكشف أفظع ما في الإنسانية، وتمس قلب المشاهد من خلال سردها وذلك المزيج الفني الرائع الذي تشعر معه في مشهد النهاية، حين كان بطل الفيلم يعتذر لأسرته دون مبرر للإعتذار، أنه يعتذر للمشاهد عن كل هذا الألم الذي لمسه خلال رحلة العبودية التي استمرت 12 عاما.
الموسيقى هي الفن الوحيد غير المرئي، والذي لا نستخدم سوى حاسة السمع للاستمتاع به والتفاعل معه، مما جعله الأقرب إلى الروح، حيث تقل مساحات الروحانية كلما زادت الوسائط، لكن الموسيقى وحدها تمر إلى الروح وتحتضنها صاعدة بها إلى آفاق جديدة في سلاسة مبهرة، قد تصل إلى دفع الجسد إلى التمايل والرقص على أنغامها في توحد مدهش ومثير عن طبيعة ذلك التأثير.
الموسيقى هي لغة التعبير العالمية، والموسيقى هي اللغة التي نسمعها في كل شيء في الحياة في الطبيعة في المنزل من التليفزيون والكمبيوتر وفى العمل، في رنات التليفون المحمول، في وسائل المواصلات، هي كل تلك الأصوات المتناغمة حولنا.
وما من موسيقى لم ترددها الطبيعة يوما ما، وما من صوت إلا ومارسته الطبيعة منذ قديم الأزل، وكأنها دائرة مغلقة لا تفنى فيها الأصوت ولا تستحدث من العدم، وكأن كل صوت نسمعه الأن هو مجرد صدى لشخص ما أو حدث ما في الزمن البعيد، وتبقى تلك الأصوت الخالدة في نفوسنا وكأنها مشتقة من الطبيعة، كأن يحكون في الأثر أن الله اشتق صوت الرعد وأم كلثوم من نفس المادة مثلا ثم أمرها بالفناء، فاستمر صوت الرعد ولم يتكرر صوت «ثومة».
وتقول الأسطورة أن صوت محمد قنديل تم نحته من شروق الشمس براق وساطع ودافيء، لا يغيب أبدا، أما صوت محمد عبدالوهاب، فتم اختراعه على يد صاحب ماركة «رولزرويس» ولم يتم اكتشافه خالصا في الطبيعة، لأنه يبدو وكأن كل تفاصيله صنعت يدويا حسب رغبة صاحبه الشخصية.
وكان صوت أسمهان يوما ما لطائر الفينيق الأسطوري، بكل ما يحويه من قوة، بينما اشتق صوت محمد فوزي من رعشة أوراق الشجر لحظة سقوط المطر، لأنه صوت مفعم بالبهجة، مليء بالحياة.
وجاء صوت عبدالحليم حافظ من لحظة تمر فيها نسمة العصاري في ليلة صيفية، رقيقة ضعيفة لكنها مؤثرة متأثرة، لأنه إحساسا تجسد في حنجرة إنسان.
وعندما صدح أول عصفور على وجه الأرض، ذهب صوته ليسكن حنجرة شادية، لتبقى «الدلوعة» عصفور كناريا الغناء العربي، ومن بائع جائل في عصر المماليك، نادى على بضاعته فسكن صدى صوته روح وردة، بكل ما يحمله صوتها من قوة، بينما هربت نغمة «هارب» فرعوني لتكون نجاة الصغيرة، برقة صوتها وحنانه وانتمائه لذلك الوطن.
ومن خرير شلال هادر خرجت فايزة أحمد، بكل ما لدى الشلال من اندفاع وتدفق، ومن ليلة عيد سكنت روح طفل سعيد خرجت صباح، بكل تلك الشاقوة الممزوجة بالسعادة، ومن هزة عود وتر أول ربابة تم تصنيعها جاء صوت محمد العزبي، محملا بكل قوة تراثنا وعمقه.
ويعرف عن صوت على الحجار أنه صهيل أول حصان مروض على سطح الأرض، بما لدى الحصان من مرونة وجمال وطلاقة، ولكن صوت منير كان زفرة صانع فخار نوبي في لحظة تركيز، حاملا ذاك التميز الآتي من الجنوب.
وكأن العود إذا غنى كان فريد الأطرش، أعظم من عزف عليه وكأنهما توحدا، وإذا قررت القهوة أن يكون لها صوت كانت فيروز، بكل ما يحويه صوت فيروز من مزاج وروعة، ومن بين أوتار القانون نشأ مدحت صالح، بشرقية صوته وقدرته اللامحدودة على معانقة النغم.
وعندما غنى الجبل ظهرت حنجرة وديع الصافي، صوت الجبل بكل طبيعته القوية، وعندما قررت الأرض لحظة الانبات أن تعبر عن نفسها جاء صباح فخري بكل ما لدى الأرض من طاقة لا تنضب ولا تنتهي.
حتى الأصوات المنفرة لها أصل في تلك الطبيعة، وربما جاءت من لحظة فوضى، أو صرخة منتشي ظالم، أو بهجة غير صاحب حق .
اتركوا أرواحكم للغناء والموسيقى، لا تعتبروها غذاء للروح فهي لا تحتاج لغذاء، بل عانقوها، وارسموها، واطربوا لها وبها، وعيشوها، علموها لأولادكم بكل ما تحويه من نغمات أو أصوات، فحين تألف الأرواح الموسيقى تتعلم حب الحياة، وما أشد ما نحتاج إلى تعلم حب الحياة مرة أخرى في مصر هذه الأيام.
يعود المخرج ألكسندر باين للطريق مرة أخرى، فبعد فيلم "About Schmidt " عام 2002 الذي يدور حول أرمل مشاكس لعب دوره جاك نيكلسون، يطارد ابنته في أنحاء الولايات المتحدة عبر دروبها وطرقها لتخريب زفافها، وفيلم "Sideways " والذي يتناول فيه مادار بين الروائي بول جياماتي ومتذوق النبيذ في جولة في مزارع العنب في كاليفورنيا في محاولة للاستشفاء من كسر القلب، وكأن "باين" يجد نفسه داخل تلك السيارات المتنقلة من ولاية لأخرى في رحلة بحث عن شيء ما، يقدم هذه المرة في فيلم "nebraska" القدير بروس ديرن، في دور رجل عجوز مدمن للكحول مصاب بالزهايمر يخوض رحلة مع ابنه الشاب من ولاية "مونتانا" حتى "نبراسكا" بحثا عن جائزة وهمية، في رحلة يدرك الابن الشاب عبثيتها إلا أنها يخوضها من أجل والده.
يستخدم "باين" الأبيض والاسود ويختار الثمانينات زمنا لأحداث فيلمه حتى تكون مناسبة للحبكة الدرامية بعيدا عن عصر الإنترنت، ويستعرض خلال الرحلة في لقطات واسعة المزارع والحيوانات بداخلها وعلامات الطريق والفنادق الصغيرة (الموتيلات) والكنائس دون مبرر حقيقي لاختفاء الالوان.
ومن خلال مدينة صغيرة شهدت نشأة الأب وبداية مغامرته في الحياة وزواجه في "نبراسكا" قبل رحيله إلى ولاية "مونتانا" تستقر الرحلة قبل نهايتها بالاب ونجله في منزل عمه، حيث يعيد خلال 3 أيام مد الحبال واعادة الحياة لعلاقاته بأهله وأهل مدينته كبار السن الذين يتذكرونه، بعدما ظن الجميع بالفعل أن الميكانيكي المفلس الذي غادر بلدتهم منذ أعوام طويلة كسب مليون دولار في اليانصيب وصار ثريا.
ومن خلال مفارقة تجمع الأسرة الصغيرة مرة أخرى في تلك القرية، ورغبة الأهل والأصدقاء القدامى في استغلال هذا الثراء المفاجيء لـ"وودي" الأب الذي يلعب دوره بروس ديرن يكشف الفيلم مجموعة من الطبائع الإنسانية الوضيعة، والتي يسلط عليها الضوء ويجعلها أكثر بشاعة هو ذلك الخرف الذي يواجهها به الرجل المريض بالخرف الذين يظنونه ثريا.
وفي أحد اروع أدواره يعود بروس ديرن الذي عمل من قبل مع العظيم الراحل هيتشكوك ليقدم دورا يليق بمشواره السينمائي، حيث يتقمص شخصية العجوز المدمن المصاب بالخرف، والذي ذاق الأمرين من زوجة سليطة تشيع عنه ماهو عكس حقيقته، والذي تقتصر أحلامه على اقتناء شاحنة جديدة و"كمبورسور" - ضاغط هواء - لاستخدامه في الطلاء وترك مال لولديه حتى يرثاه لأنه يرى نفسه والدا مقصرا، وتظهر تعبيرات "ديرن" المتفاجئة والمبهمة واللامبالية في كثير من المشاهد المعنى المقصود تماما، ليستحق الترشح عن دوره لجائزة الأوسكار كأفضل ممثل.
ربما يبدو فيلما مدته 115 دقيقة باللونين الأبيض والاسود وأغلب أبطاله قد تجاوزوا الـ60 عاما مملا للغاية للبعض، ربما لا يصيب المشاهدة بالحماسة مع إيقاعه الهاديء الذي يليق بحلم رجل عجوز مريض، لكنه فيلم أخر يضرب فيه ألكسندر باين من جديد لكشف تلك العلاقات الإنسانية الحقيقة التي تتجاوزها السينما الأمريكية الحالية، وخاصة تلك المشاعر المختلطة بين الاباء والابناء، والتي يغزلها بروعة عبر تفاصيل هذا الفيلم، مثل هذا المشهد الذي يسرق فيه الإبنان مزرعة أحد أصدقاء والدهما القدامى بطريقة طفولية واضحة فقط من أجل الانقتام، واكتشاف هذا الابن الأصغر لحقيقة والده بنهاية تلك الرحلة العبثية التي بلغت 750 ميلا، وقرر أن يحقق له أحلامه البسيطة منكرا ذاته فقط من أجل المشاعر.
فيلم nebraska ليس من تلك الافلام القادرة على ابهار المشاهد، على الرغم من ترشحه لجائزة الأوسكار أفضل فيلم، لكنه يبقى أحد تلك الافلام التي تؤكد عبارة الشاعر الراحل محمود درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"
تقول القاعدة السينمائية أنه عندما تقدم حكاية تقليدية فعليك أن تتناولها بشكل مختلف أي بطرح جديد، وإذا اضطررت إلى معالجتها بطريقة تقليدية فلابد أن تلجأ إلى حل إخراجي يضعك خارج استهلاك حكاية في الأصل مستهلكة.
وهو ما لم يفعله ستيفن فريس مخرج فيلم "philomena" المرشح لجائزة الأوسكار أفضل فيلم، والذي تناول قصة أم فقدت ابنها داخل الدير منذ 50 عاما، ثم قررت البحث عنه بمساعدة صحفي ترك عمله كمساعد لرئيس الوزراء البريطاني أثر فضيحة ما ويبحث عن نجاح جديد بعد عودته لمهنته الأصلية.
يعرف المشاهد غالبا أن الأم ستجد ولدها، حيا أو ميتا، لكنها ستصل إليه، اكتفى الفيلم الذي يروي قصة حقيقية وقعت في بريطانيا بدايات العقد الماضي بسيناريو تقليدي، يتحرك في خط ردامي واحد ويصل إلى نقطة الذروة باكتشاف وفاة الابن في أمريكا مريضا بالإيدز في تسعينيات القرن الماضي، ويعود في نهايته إلى بريطانيا أو ايرلندا تحديدا حيث دفن الابن الذي حاول البحث عن والدته.
ومن خلال سذاجة الأم العجوز فقد الفيلم تلك المساحات العاطفية الممكنة لتلك الحالة، حيث بدت الأم دائما سعيدة ومبتسمة وفي حالة بهجة، حتى في أقصى لحظات حزنها عندما تتحدث مع نفسها، وهو ما أدته جودي دينيش ببراعة معتادة، إلا أن بناء الشخصية التي كتبها ستيف كوجان كاتب السيناريو وبطل الفيلم الذي يلعب دور الصحفي الذي يساعدها، لم يجعلا الدور أحد دوارها المميزة - على الرغم من ترشحها لجائزة الأوسكار أفضل ممثلة عن هذا الدور -، بل أفقدتها الكادرات المقربة للغاية جزء كبيرا من سحرها الخاص كممثلة قديرة حرص المخرج على وضع علامات تنصيص سينمائية حول مشاهد بكائها، وهو خطأ تكرر طيلة الفيلم دون مبرر درامي حقيقي.
بينما قدم ستيف كوجان دورا جيدا كتبه لنفسه بعناية، ونجح في تلك المشاهد المشتركة مع دينيش بكل تاريخها وقامتها الفنية في سرقة الكاميرا خلال مباراتهما التمثيلية معا.
في الحقيقة لا يزيد مستوى فيلم "philomena" عن مستوى تلك الحلقات التي قدمتها الراحلة فايزة واصف في برنامج "حياتي" في ثمانينات القرن الماضي، ويصعب اعتباره فيلما كبيرا، بل يقع في دائرة الافلام المتوسطة، ويثير ترشيحه للجائزة علامات استفهام عديدة حول معايير الترشح للأوسكار، بل وفوز الفيلم في مهرجاني "تورنتور" و"فينيسا".
لكن يبقى اهم ما في الفيلم هو فضح الممارسات غير الإنسانية التي تمارس ضد المراهقات في الأديرة التي تديرها الراهبات، والتي تصل إلى رفض اجراء عمليات قيصرية لهن عقابا على ممارسة الجنس، وزرع مفاهيم تعتبر الجنس ذنبا كبيرا يغضب الرب على فتيات بسيطات لم يلتحقن بالرهبنة، وكذلك تفريق أبنائهن عنهن وبيعهم عبر وسطاء إلى أثرياء في دولة أخرى بحثا عن المكسب المادي.
في النهاية قال المخرج الكبير داوود عبدالسيد في محاضرة عن صناعة السينما يوما ما : ليس هناك ما هو أهم من "حدوتة" ممتعة، يحصل المشاهد في نهايتها على نصيبه من المتعة، برسالة كانت أو بدون، بتجريب أو بدون، المهم أن تكون القصة ممتعة، وهو ما افتقده هذا الفيلم تماما بعدما ارهقه الاستهلاك.
اقتاد رجال المعلم هدهد الرجل الكفيف الذي حضر إليهم من أجل شراء نصيبه من "الكيف"، كما اعتاد منذ القبض على المعلم "هرم".
بمجرد وصوله إلى "الديلر" سلط الكشاف على وجهه واشار لأخر ، فأحاطا بالرجل وسحباه رغما عنه إلى حيث لا يدري، صرخ الشيخ حسني معترضا
- رايحين بيا على فين ياكفرة، أنا عارفكم وحاجيبكم.
وفي مكانه المفضل في بهو بيته شرقي الطراز جلس المعلم هدهد بجلبابه الابيض على مقعده الخشبي المطعم بالصدف والمبطن بريش النعام متأملاً ملامح الكهل الذي ألقى به صبيانه أمامه، بقامته الطويلة وقوة جسده الواضحة في عضلاته والتي لا تتناسب مع عاهته، وذلك الشارب الصغير الذي يجذب وجه الناظر إلى وجهه مع زوج العيون الذي فقد ضياء البصر وأجبر الرأس على الارتفاع والميل تجاه أحد الأذنين استرشادا بالصوت.
استمر الشيخ حسني في شكواه، بعدما تركه الرجلان وحيدا
- أنا فين يكونش الواد سليمان زعلان مني علشان الفسبا بتاعته، ولا الولية ام روايح سلطت عليا حد بعد ما فضحت الحتة كلها، الله يرحمك ياعم مجاهد قولتلي الحشيش حيضيعني وباينه ضيعني
ثم جلس مقرفصا يبكي في صمت، والمعلم هدهد صامت تماما يتأمله قبل أن يقول بصوته الجهوري
- بعت بيتك علشان الحشيش، بتبيع إيه دلوقتي يا شيخ حسني
انتفض الشيخ حسني واقفا بمجرد سماع الصوت، وأقترب في اتجاه صاحبه الذي قال بصوت عال آمر
- اقف مكانك لاحرق روحك، متقربش
أمسك الخوف بقدمي الشيخ حسني، فتوقف مكانه صامتا، فأعاد المعلم هدهد سؤاله
- بتبيع إيه يا شيخ حسني
هز الشيخ حسني رأسه وكأنه يسمع لحنا محببا قبل ان يقول
- الكيف هو الصاحب لما ميبقاش عندك صاحب، الكيف هو البصر لما تبقى لا مؤاخذة زيي ضرير، الكيف ساعة كمان بيبقى الأهل
ابتسم المعلم هدهد للمرة الأولى منذ رأى الشيخ حسني وقال
- أهو أنا بتاجر في الحشيش علشان اللي زيك، ومع إني كنت جايبك هنا علشان أقطع راسك علشان صبيي هرم اللي دخل السجن بسببك، بس حبيت اسمعك، أه في شغلتنا كل حاجة بالميزان، العدل أهم حاجة
نبتت ابتسامة ماكرة على وجه الشيخ حسني الذي وجه اذنه اليسرى تجاه الصوت قبل أن يقول ساخرا
- بس اليومين دول الحشيش صوابع يا مولانا ومن غير ميزان
نهض المعلم هدهد وغادر مقعده في اتجاه الشيخ حسني وهو يقول
- كل صنعة في البلد دي باظت، كل حاجة اتقل خيرها، والصبيان الجداد بهدلوا الزبون
ثم امسك بيد الشيخ حسني واقتاده لجلسة عربية توسطتها "قصعة" اشتعلت فيها "طربة" حشيش وسط الفحم لتعبأ المكان برائحته العطرية المميزة، استنشق الشيخ حسني الرائحة بمجرد دخوله وقال مبتهجا
- الله الله
ثم مال على دليله قائلا
- اسم الكريم إيه
- انا المعلم هدهد
ساعد المعلم الشيخ في الجلوس، ثم ناوله عودا واستلقى بجواره وقال
- لم تتكيف سمعنا حاجة
ابتسم الشيخ حسني ومع استنشاق الحديد بدا يداعب أوتار العود غائبا بداخلها وكأن روحه معلقة فيها قبل أن يقول
- زمان غير زماننا..مالناش فيه مكان..وخلاص صار أماننا..نستخبى م الفوقان
هز المعلم هدد رأسه مشيرا لاحد صبيانه الذين وقفوا على الباب للحراسة، اسرع تجاهه ومال بجسده ليسمع اوامره
- الحشيش بتاع الشيخ حسني يوصله البيت كل يوم من غير فلوس، نعتبره زي نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة بتاعة الحكومة
انصرف الرجل مسرعا بينما أغمض المعلم هدهد عيونه والشيخ حسني يواصل الغناء
- حشيشنا ليه مزاج..حشيشنا ليه معلم..ياكيف الابتهاج..نسيتنا ازاي نتألم
ضحك المعلم هدهد بصوت عالي وهو يقول في نفسه
- ربنا يجعله في ميزان حسناتنا
الشخصيات
الشيخ حسني – فيلم «الكيت كات» - محمود عبدالعزيز
المعلم هدهد – فيلم «أرض الخوف» - حمدي غيث
اقترب المقدم عمر من مكتب اللواء عمر الاسيوطي وعدل من وضع هندامه متجاهلا التحية العسكرية التي أداه المجند المكلف بالحراسة عند الباب، ثم طرق الباب بيده ودخل شادا قامته مؤديا التحية العسكرية بحزم مبالغ فيه أمام قائده ورئيسه في العمل، بينما انبعثت موسيقى هادئة من أحد الاركان وعبأ الجو معطر صناعي برائحة الياسمين.
رفع اللواء عمر الاسيوطي عينيه دون ان يرفع رأسه عن الأوراق التي كان يقرأها ثم عاد بسرعة للقراءة متجاهلا التحية العسكرية التي أداها مرؤوسه، وقال
- فين سيد مرزوق يا سيادة المقدم
أجاب المقدم عمر مسرعا
- أنا كنت مكلف بالقبض على يوسف كمال يافندم مش سيد مرزوق
رفع اللواء عمر الاسيوطي رأسه بغضب وهو يشير بالقلم الذي في يده للمقدم الذي ظهر عليه القلق
- أنت مكلف بالقبض على سيد مرزوق يا سيادة المقدم
فتح المقدم فمه ليتكلم، فقاطعه اللواء مناديا
- يا فتحي
صمت المقدم عمر رغما عنه والتفت إلى الباب الذي فتح ودخل منه المخبر فتحي بابتسامته اللزجة وعيونه التي انكسرت بفعل الاستجداء، وذلك البالطو البني الباهت الذي استجاب لعوامل الزمن، وفي يده "الخرزانة" التي لا تفارقه ابدا، وصرخ محاولا اظهار الانضباط
- اؤمر يافندم
سأله اللواء عمر الاسيوطي
- أخبار تقارير مراقبة سيد مرزوق إيه يا فتحي
- خمس تقارير في اليوم، وتقرير خاص كل يوم أحد يافندم
- ويوسف كمال بس اللي مصدقه
- لا دول ناس كتير يافندم
- طيب قول لسيادة المقدم
نظر المخبر فتحي للمقدم عمر وكأنه يلحظ وجوده للمرة الأولى في غرفة المكتب ثم قال
- الناس مصدقة إن سيد مرزوق ممكن يحقق أحلامها، الناس كمان بتصدق إنه ممكن يرحم خطاياها، الناس متخيلة إنه حيكافئها أو يعاقبها على عمايلهم الحلوة والسودة
اقتحمت قطرة عرق عين المقدم عمر رغم الجو البار للغرفة بفضل المكيف، عجز عن مسحهان لكنه فقط أغنض عينه التي وكأنها احترقت أثر الملوحةن وتدلى فكه رغما عنه قبل أن يحاول "لملمة" روحه المبعثرة بسبب الخوف والقلق، وقال مخاطبا قائده
- تمام يافندم ، خلال 24 ساعة يكون في الحجز واعترف
أشار اللواء للمخبر حتى يكمل كلامه، فقال فورا
- هو تقريبا موجود في كل مكان، ومش موجود خالص
اعتدل المقدم عمر في وقفته ليواجه المخبر سائلا
- يعني إيه اللي أنت بتقوله ده
أكمل فتحي وكأنه لم يسمع سؤال المقدم
- محدش حيعترف إنه شافه، ومفيش دليل على وجوده في مكان ما، ناس قليلين بس اللي عندهم الدليل ده
رفع المقدم عمر صوته محاولا مقاطعة المخبر الذي يتحدث وكأنه يرتل ما يحفظ
- تعرف مين الناس دول
ابتسم اللواء عمر الاسيوطي للمرة الأولى قبل أن يقول مقاطعا مرؤوسيه
- يا سيادة المقدم خليك معايا، الناس ممكن تحميه، بس الناس بتخاف من القوة الظاهرة، وإحنا الداخلية القوة الظاهرة، لو عايز تقبض عليه حتى من قلوب الناس تقدر بس بشرط إنك تخوفهم اكتر، لدرجة إنهم بس يتمنوا الحياة.
هز المقدم عمر راسه مؤمنا على الكلام
- تمام يافندم
أشار لهما اللواء بالإنصراف فأديا التحية العسكرية وانصرفا بينما كان اذان العصر يتسلل من نافذة مغلقة في مكتب اللواء عمر الاسيوطي، ليختلط بالموسيقى الهادئة التي عادت لتملأ فراغ الصمت بعد رحيل المقدم والمخبر.
الشخصيات :
اللواء عمر الأسيوطي – فيلم «أرض الخوف» - عزت أبوعوف
المقدم عمر – فيلم «البحث عن سيد مرزوق» - شوقي شامخ
المخبر فتحي – فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» - صلاح عبدالله
يتحسس "شريف المرجوشي" خطواته حريصا على عدم إصدار أي صوت وهو يقترب من تلك الشقة التي قرر سرقتها في الأسكندرية، تضايقه عينه العاجزة عند محاولة استخدام "الطفاشة" لفتح الباب يسب "سليم" في سره، ثم يبتسم مع استسلام "الكالون"، يفتح الباب بهدوء وهو يقول
- بسم الله الرحمن الرحيم
يتأمل اثاث الشقة الراقي الذي ترك الزمن عليه اثاره، صالون "كلاسيك" ذهبي ينتمي لسبعينيات القرن الماضي، ومجموعة من الوسائد العربية ملقاة على الأرض بإهمال وحولها مجموعة كبيرة من الكتب المفتوحة والمتناثرة بطريقة عجيبة، يقترب بهدوء ويمسك أحدها قائلا في سره
- كتب تاني، هو أنا موعود
يعود إلى صالة المنزل التي احتلتها منضدة "سفرة" قديمة متجها إلى تلك "الطرقة" المفضية إلى شباك يطل على البحر، يلقي نظرة خاطفة متأملا أضواء السيارات المارة على الكورنيش والتي انعكست على الزجاج "الموارب" لشباك تلك الطرقة.
يفتح باب غرفة النوم بهدوء شديد يفاجئه جسد الشاب النائم على فراشه باستغراق عميق، يرتد خطوة للخلف مفزوعا وهو يقول في نفسه
- جه امتى ده أنا بقالي يومين مراقب الشقة من ساعة ما راح يصطاد ومرجعش
يعيد تأمل ملامح النائم ذو البشرة السمراء والشعر المجعد والوجه الدائري، تدهشه تلك الإبتسامة العجيبة على وجهه، يقترب من الفراش بهدوء، تخبره أنفاس النائم الهادئة الرتيبة المنتظمة أن صاحبها غارق تماما في نومه، يلقي نظرة سريعة على الغرفة بحثا عما غلا ثمنه وخف وزنه، فلا يجد سوى جهاز "كاسيت" مزدوج، يحمله في هدوء ويغادر الغرفة بحرص شديد مغلقا الباب خلفه.
يعود إلى الصالون ليفتش ملابس صاحب الشقة المعلقة على بعض المقاعد بحثا عن النقود، يتعثر في كتاب كبير بلغة لم يرها من قبل، يسقط على الأرض محدثا ضجة عجز عن تلافيها، يجد جوار رأسه زجاجة بداخلها ورقة ملفوفة، يسب نفسه ويعيد سب الكتب، ثم يستعيذ بالله محاولا النهوض قبل أن يستيقظ صاحب الشقة.
وقبل أن يقف على قدميه يجد الشاب ممسكا بكتفه وعلى وجهه ملامح غضب شديد، شعر المرجوشي أن حتى عينه العاجزة شعرت به.
تحدث الشاب "متهتها" بطريقة أدهشت اللص
- أنت بتسرق إيه ياحمار، مفيش حاجة في الشقة
ثم التفت إلى جهاز "الكاسيت" الملقى بجوار اللص الواقع على الأرض، وأكمل بنفس التهتهة مشيرا إلى الجهاز
- وإيه اللي جاب الكاسيت ده هنا، انا رميته امبارح بره
يزيح شريف المرجوشي يدا الشاب التي ارتخت بفعل الإشارة ويقول وهو يحاول النهوض
- وحد الله يا عم، ده كان في أوضتك، انت تلاقيك استغفر الله كنت شارب، أنت اسمك إيه
- يحيى، وعلى فكرة نا معييش غير 10 جنيه، لو عايزها خدها
التقط المرجوشي الزجاجة التي تحوي الرسالة وهو يقول
- لا ياعم أنا راجل أعرف ربنا برضو
قاطعه يحيى مختطفا الزجاجة
- مالكش دعوة بدي
- هي إيه دي
- رسالة بلغة مش معروفة لقيتها جاية من البحر
واشار إلى الكتب المتناثرة قائلا
- وحاولت اترجمها بكل اللغات دي ، وسألت ناس من حنسيات مختلفة وبرضو ملقتش حد عارف
جلس شريف على المقعد الاقرب له بهدوء تعجب له هو نفسه وهو يقول
- أنا مش بعرف اقرا القرأن بس بمجرد ما بسمعه بفهمه
جلس يحي بجواره وهو يخرج الورقة من الزجاجة قائلا
- بس كمان محدش عارف يقراها
ثم فردها امام اللص شريف المرجوشي الذي مال براسه حتى تواجه عينه السليمة تلك الرسالة رغم عجزه عن القراءة ثم قال وهو يشيح براسه
- قطعها يا يحي، دي مش بادئة ببسم الله الرحمن الرحيم، أنا مبعرفش أقرا بس عارف شكلها
التصق يحيى خائفا بيد المقعد مبتعدا قدر الإمكان عن شريف وهو يقول
- أنت حمار مش فاهم حاجة
نهض شريف المرجوشي مغادرا الشقة وهو يقول
- كلام ربنا لما بعته الناس مفهمتوش وكفرت بيه، وبعد كده أمنت
تأمل يحيى الرسالة بشغف شديد متجاهلا كلام المرجوشي الذي فتح باب الشقة
- وخد بالك أنا راجع تاني، وحسرق الرسالة دي وححرقها، واسيبلك مكانها مصحف يمكن تفهم
ومع صوت قفل الباب كان يحيى وللمرة الأولى يدرك معنى الرسالة وفحواها.
الشخصيات
شريف المرجوشي – فيلم «مواطن ومخبر وحرامي» - شعبان عبدالرحيم
يحيى – فيلم «رسائل البحر» - آسر ياسين